فصل: سنة ست وخمسين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 سنة ست وخمسين وسبعمائة

في المحرم‏:‏ شرع الأمير شيخو في هدم أملاك ابتاعها بخط صليبة جامع ابن طولون‏.‏

فكانت مساحتها زيادة على فدان واختط موضعها خانكاه وحمامين وحوانيت يعلوها رباع‏.‏

وجد في بنائها بحيث أنه عمل فيها بنفسه ومماليكه حتى انتهت عمارتها وأشهد عليه بوقفها‏.‏

ووقف عليها عدة جهات بأرض مصر والشام‏.‏

ورتب بها دروس الفقه للمذاهب الأربعة وشيخاً للصوفية ومدرساً للحديث النبوي وشيخاً لإقراء القرآن الكريم بالقراءات السبع وغير ذلك من الفراشين والقومة والمباشرين‏.‏

وشرط على الفقهاء والصوفية الا يتزوج منهم الا طائفة عينهم من كل مذهب وأن يقيم العزاب بالخانكاه ليلاً ونهاراً‏.‏

وشرط الا يكون فيهم ولا منهم قاض ولا شاهد يتكسب بتحمل الشهادة‏.‏

فلما كان يوم عرفة منها ركب في جماعة الأمراء وأعيان الدولة وقضاة القضاة ومشايخ العلم إلى هذه الخانكاه‏.‏

وقد قرر في تدريس الشافعية بهاء الدين أحمد ابن الشيخ الإمام تقي الدين على بن عبد الكافي السبكي والشيخ خليل الجندي في تدريس المالكية والقاضي ناصر الدين نصر الله في تدريس الحنابلة شريكاً لقاضي القضاة موفق الدين عبد الله الحنبلي‏.‏

والقى المدرسون الثلاثة دروس الفقه على مذاهبهم وطلبتهم قد تحلقوا بين أيديهم فيما بين الظهر إلى العصر‏.‏

فلما صلوا العصر فرش الأمير شيخو سجادة مشيخة التصوف بيده وأجلس الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود الحنفي عليها‏.‏

ثم لما انقضى الحضور انفضوا‏.‏

فكان يوماً مشهوداً‏.‏

و لم يسخر في بنائها أحد من المقيدين الذين بالسجون كما هي عادة أمراء الدولة في عمايرهم ولا سخر من الناس أحداً بغير أجرة في شيء من أعمال هذه الخانكاه بل كانت توفى للعمال أجرهم‏.‏

وأنشد أدباء العصر في هذه الخانكاه عدة أشعار منها قول الأديب صلاح الدين صلاح بن الزين لبيكم‏:‏ لقد شاد شيخو خانكاه بديعة تفوق على الروض المكلل بالندا بناها ولم يعمل بها من مقيد ولكن على أهل الوظايف قيدا وقال الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد الشهير بابن أبي حجلة المغربي من مقامه عملها في الخانكاه المذكورة‏:‏ ومدرسة للعلم فيها مواطن فشيخو بها فرد وإيثارة جمع لئن بات فيها في القلوب مهابة فواقفها ليث وأشياخها سبع وفي يوم الإثنين ثاني صفر‏:‏ عزل تاج الدين محمد بن علم الدين محمد بن أبى بكر الأخنائي عن واستقر في قضاء المالكية الشيخ نور الدين أبو الحسن على بن عبد النصير بن علي السخاوي فمرض بعد شهر ولزم الفراش حتى مات بعد اثنين وسبعين يوماً بعد ما أفاق من مرضه إفاقة‏.‏

وبلغه أنه لما أيس منه عزل فسال الأمير شيخو أن بجدد السلطان له ولاية فخلع عليه وعمل الأمير شيخو وليمة لعافيته فمات يوم الثامن من الوليمة فاستدعى تاج الدين الإخنائي وخلع عليه وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية مع نظر خزانة الخاص فاستناب في نظر الخاص أخاه برهان الدين إبراهيم‏.‏

وفيه كتب توقيع لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين على السبكي بأن يكون نائباً عن أبيه في قضاء القضاة بدمشق ومستقلاً بعد وفاته‏.‏

ورسم بحضور التقى إلى القاهرة بسعى ولده بهاء الدين أحمد في ذلك فكتم التقى عن أهل دمشق هذا وخرج - وهو مريض - في محفة ليزور القدس فقدم القاهرة وقد اشتد مرضه فمات بعد أيام‏.‏

واستقر عوضه في قضاء القضاة بدمشق ابنه تاج الدين عبد الوهاب‏.‏

وفي يوم الإثنين تاسع صفر‏:‏ قبض على الأمير أرغون الكاملي خوفاً من شره وسجن بالإسكندرية‏.‏

واستقر كريم الدين أكرم ابن شيخ في نظر الدولة وأعيد شهاب الدين أحمد بن ياسين بن محمد الرياحي إلى قضاء المالكية بحلب بعد وفاة زين عمر بن سعيد يحيى التلمستاني المغربي‏.‏

واستقر خالد بن داود شاد الدواوين بأمرة عشرة ولبس الشربوش في يوم عاشرة واستقر الحاج محمد بن يوسف مقدم الدولة عوضاً عن الحاج أحمد بن زيد‏.‏

والزم ابن زيد بحمل ثلاثمائة ألف درهم فحملها فتتبع ابن يوسف أثاره حتى أظهر له من دفائن وودائع نحو أربعمائة ألف درهم‏.‏

ثم صرف ابن يوسف وأعيد ابن زيد‏.‏

وقبض على ابن يوسف وعلى خالد بن داود شاد الدواوين وسلما لأحمد بن زيد فعاقبهما والزمهما بحمل المال فلم يزل خالد في العقوبة حتى مات وأنعم السلطان على ولده الأمير أحمد بإمرة مائة تقدمة الف وأفرد له ديواناً‏.‏

وقدم الخبر بهجوم الفرنج على طرابلس الغرب وأخذها وقتل عامة أهلها‏.‏

فلما بلغ ذلك أبو عنان فارس بن أبى الحسن علي بن يعقوب - متملك فاس - اشتراها من الفرنج‏.‏

بمال كبير وعمرها‏.‏

وفيه سافر الأمير عمر شاه إلى الصعيد وقد خرج سودى بن مانع وأخوه عن الطاعة فأخذهما ووسطهما في عدة من أصحابهما وعاد‏.‏

وفيه قدم أولاد قراجا بن دلغادر بتقادم فأعيد كبيرهم إلى الإمرة‏.‏

وقدم الأمير فياض بن مهنا بقول جليل فأكرم وأجريت له الرواتب على العادة فشفع في الشريف ثفبة فأفرج عنه وعن أخيه وابن عمه مغامس فأقاموا مدة قليلة ثم فر ثقبة إلى مكة فطلب فلم يقدر عليه‏.‏

وفي سابع جمادى الأولى‏:‏ أعيد تاج الدين محمد الأخنائي إلى قضاء المالكية بعد موت نور الدين على السخاوى‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الأخر‏:‏ ولد للاصر شيخو ولد ذكر من أبنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فاحتفل احتفالاً زائد في عقيقته ومات الوليد بعد أيام وعميت أمه عقيب ولادته‏.‏

وفي خامس عشره قطعت يد الشريف المزور وضرب أصحابه بالمقارع وشهروا وكان في التزوير ومحاكاة الخطوط عجباً وسجن بسبب ذلك مراراً‏.‏

وفيه سقط مطر في غير أوانه عم الوجه البحري ونزل معه برد قتل عدة أغنام كثيرة بلغ وزد البردة أوقية وأوقيتين ومنها ما نزل في قدر الرغيف الكبير‏.‏

وتلف زرع كثير من السيل وهبت قبل هذه المطرة ريح عاصفة غرق منها عدة مراكب‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ابتدأ الأمير صرغتمش في هدم مساكن بجوار الجامع الطولوني واختط موضعها مدرسة في خامس رمضان وكشف أوقاف الجامع بنفسه ورم شعثها‏.‏

وقدم الخبر بأن في شهر ربيع الآخر أمطرت السماء بأرض الروم برداً أهلك منه نحو مائة وخمسين قرية فجعلها دكاً وكاد وزن البردة الواحدة نحو رطل وثلث بالحلبي وذلك في شهر نيسان‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكر شهاب الدين أحمد بن حسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي - موقع الحكم - في ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة وكان عاقلاً ديناً فاضلاً‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام قاضى القضاة بدمشق تقي الدين أبو الحسن على بن زين الدين عبد الكافي بن على بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي بحزيرة النيل من شاطىء النيل خارج القاهرة في ليلة الإثنين رابع جمادى الآخر‏.‏

ومولده في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بناحية سبك من المنوفية أحد أعمال مصر‏.‏

قرأ القراءات على التقى الصايغ والتفسير على العلم العراقي وسمع على الحافظ الدمياطي وتفقه للشافعي وولى قضاء دمشق بعد الجلال القزويني في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وانتهت اليه رياسة العلم‏.‏

وتوفي قاضى القضاة المالكي نور الدين أبو الحسن علي بن عبد النصير بن علي السخاوي المالكي ليلة الإثنين رابع جمادى الأولى ودفن بالقرافة‏.‏وتوفي زين الدين أبو حفص عمر بن سعيد بن يحيى التلمساني المالكي قاضي قضاة المالكية بحلب عن نيف وستين سنة منها في قضاء حلب نحو خمس سنين‏.‏

وتوفي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن عبد الحق السعدي البارنباري كاتب سر طرابلس وله شعر جيد‏.‏

وتوفي الأديب الشاعر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الله يلقب بالضفدع ويشهر بالخياط الدمشقي في طريق الحجاز‏.‏

قدم القاهرة ومدح الأعيان وجمع شعره في عدة أجزاء وتكسب بتحمل الشهادة في دمشق‏.‏

وكان لا يؤمن هجوه لطول لسانه وتعرضه لكل أحد‏.‏

وتوفي العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد الحلبي النحوي المقرىء الفقيه الشافعي المعروف بابن السمين في عاشر جمادى الآخرة‏.‏

قرأ النحو على أبى حيان والقراءات على التقى الصايغ وسمع بآخره من يونس الدبابيسي وتصدر للإقراء بجامع ابن طولون‏.‏

وناب في الحكم بالقاهرة وولى نظر الأوقاف وصنف تفسير القرآن فأطال فيه جداً حتى جاء في عشرين سفراً كباراً وصنف إعراب القرآن وشرح التسهيل والشاطبية‏.‏

وكان فقيهاً بارعاً في النحو والتفسير وعلم القراءات وتكلم في علم الأصول وكان خيراً ديناً‏.‏وتوفي فخر الدين عثمان بن علم الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد الأنصاري النويري المالكي في ذي الحجة‏.‏

ومولده سنة ثلاث وستين وستمائة‏.‏

وحفظ الموطأ وسمع على جماعة‏.‏

بمصر والشام والحرمين وتفقه ودرس وأفتى وأحكم المذهب‏.‏

وكان كثير الحج والمجاورة والتاله‏.‏

ومات الأمير قبلاى النائب يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول‏.‏

ومات شهاب الدين شاهد الجيش يوم الإثنين ثالث عشرين صفر‏.‏

ومات زين الدين الخضر بن تاج الدين محمد بن زين الدين الخضر بن جمال عبد الرحمن بن علم الدين سليمان بن نور الدين على المعروف بابن الزين خضر في آخر ربيع الأول‏.‏

ومولده سنة عشر وسبعمائة‏.‏

سمع على الحجاز وقرأ في النحو وغيره وكتب في الإنشاء ونوه به كاتب السر علاء الدين على بن فضل الله واعتمد عليه وأقره يكتب بين يدي نائب السلطة وكان يكتب سريعاً من رأس القلم ما شاء وكان ينطق بالجيم كافاً‏.‏

ومات الأمير ملك آص في ثامن عشر رمضان بدمشق وكان جاشنكير ثم ولى شاد الدواوين بدمشق ونيابة جعبر وسجن بالإسكندرية ثم أقام بدمشق بطالا حتى مات‏.‏

ومات الأمير قردم بدمشق يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان‏.‏

كان أمير أخور ثم أخرج إلى دمشق بطالا وقبض عليه ثم صار بدمشق من جملة الأمراء حتى مات‏.‏

والله تعالى أعلم‏.‏